تنمية ذاتية

التسويف والمماطلة من أسوأ العادات فكيف تتخلص منه؟

بالرغم من أن التسويف مشكلة عامة تقريباً عند كل البشر. لكنه مجهول الأسباب والحلول عند معظم الناس.

فما أن يكون عليك الانتهاء من مهمة ما في وقت بعينه، حتى تجد نفسك منهمكاً في مشاهدة مقابلات سياسية لا معنى لها، أو متابعة مقاطع مصورة تتضمن أبرز لحظات بعض مباريات الملاكمة أو تتنقل بين برامج تطبيقات التواصل الاجتماعي للرد على هذا والقراءة من هنا وهناك. ثم بعد مدة من التسويف وعدم القدرة على العمل تجد فجأة القدرة على ضغط نفسك وإنجاز قدر كبير من العمل في وقت قصير! الذي عادة ما يكون على حساب جودة العمل.

التسويف؟

التسويف هو تأجيل غير مبرر لإنجاز عمل معين مع امتلاكك القدرة والوقت، بالرغْم من علمك بأضرار هذا التأجيل سواء على مستوى العمل نفسه أو على المستوى المادي والنفسي.

أسباب التسويف

من فهمنا لطبيعة النفس البشرية، هناك خصائص يمكن أن تكون السبب في التسويف:

الرغبة في الإشباع الفوري Instant gratification

وهي الرغبة في الحصول على عائد فوري مستحب لما يقوم به الشخص. والمقصود به هنا أي شيء تحبه النفس. مثل الطعم الحلو للحلويات، أو إعجابات السوشيال ميديا. أو الشعور بالإنجاز أو التشجيع وإعجاب الآخرين. أو العائد المادي طبعاً.
فمن السهل على النفس أداء الأعمال التي لها عائد سريع مستحب، لأن هذا العائد يمثل حافز للفعل. وكلما كان العمل خالي من عائد مستحب سريع، كانت فرصة التسويف وتأجيل العمل أكبر. مثل المذاكرة أو ممارسة الرياضة أو العمل على جزء من مشروع كبير، كل هذه الأعمال ليس لها عائد فوري بل عادة ما يكون في المستقبل. وبالتالي تكون فرصة التسويف فيها أكبر، بالرغْم من أهميتها.

الرغبة في تجنب الألم Avoiding pain

الإنسان بطبعه يحاول تجنب أي عمل من الممكن أن يسبب له أي نوع من الألم بمعناه العام. مثل الإجهاد الذهني، أو مشاعر الملل أو الفشل، أوالألم الجسدي الذي قد تسببه بعض الأمور كممارسة الرياضة مثلا. فكلما كان العمل فيه قدر كبير من الألم -أياً كان نوعه- كانت فرصة التسويف والمماطلة أكبر.

التغلب على أسباب التسويف

ولكي نتغلب على هاتين الخاصيتين لابد من قوة إرادة أو وجود حافز يدفعك للعمل بالرغم من عدم وجود عائد فوري وبالرغم من وجود ألم. ولحسن الحظ هناك حافز آخر يظهر يجعلك تعمل، عيبه فقط أنه يظهر متأخراً!

أكبر حافز عند معظم البشر هو الخوف! الخوف من الرسوب في الامتحانات، أو الخوف من تعنيف المدير أو خصم المرتب أو خسارة الوظيفة. أو حتى الخوف من الإحراج والظهور بمظهر الشخص الفاشل أو الذي لا يُعتمد عليه أمام زملائك. 

كلما يمر الوقت وأنت لم تبدأ بعد، يزيد الخوف من عدم إنجاز العمل حتى يتفوق على مقدار الألم، هذه هي اللحظة التي تتوقف فيها عن التسويف وتبدأ في العمل لكي تنقذ نفسك من العواقب. وعندما تشرع في العمل فعلًا سيقل إحساسك بالألم. وتكتشف حينها أن الوضع لم یکن بالصعوبة ولا بالسوء الذي كنت تتخيله وكنت تسوف من أجل تجنبه وهي أيضاً اللحظة التي تشعر فيها بالندم أنك لم تبدأ مبكراً!

مخاطر التسويف

التسويف له 3 مخاطر

1– التسويف ظلم كبير لنفسك

 لأنه يجعل إنتاجك أقل بكتير من قدراتك من حيث الكم والجودة. فجودة وكم العمل الذي يتم في يومين لن يكون مثل جودة وكم العمل الذي يتم في أسبوع. والعائد عموماً يكون مقابل إنتاجك الفعلي لا المحتمل! فلا أحد يهتم بما كان من الممكن أن تفعله بل المهم هو ما فعلته بالفعل! 

2 – التسويف يفسد الراحة كما يفسد العمل 

قارن بين شعورك في نهاية يوم أنجزت فيه جزء كبير مما عليك، وبين شعورك في نهاية يوم سوفت فيه ولم تنجز بل تضاعفت عليك كمية الشغل المطلوب منك تنفيذها في اليوم التالي! 

أيضاً الوقت الذي تقضيه في التسلية أو الراحة وأنت تؤجل شغل مهم يكون عادة مخلوط بالقلق وتأنيب الضمير. بينما وقت الترفيه الذي يأتي بعد الإنجاز يكون ممتع أكتر وخالي من القلق أو تأنيب الضمير Guilt free play.

3 – الخطر الأكبر للتسويف 

قلنا أن حافز الخوف يظهر بعد فترة من التسويف ويساعدنا في إتمام العمل حتي لو بجودة قليلة. لكن هناك مشكلة كبيرة في حافز الخوف غير ظهوره متأخراً! 

المشكلة أنه لا يظهر أصلا إلا في الأعمال التي لها موعد تسليم أو يكون عليك فيها رقيب أو لها عواقب وخيمة قريبة الأجل. 

لكن أمور مثل عمل مشروع جاني يزود دخلك أو يحررك من قيود الوظيفة، أو الاطلاع مثلاً على كتب أو كورسات مفيدة لتطوير نفسك، أو ممارسة الرياضة للحفاظ على صحتك. كل هذه الأمور ليس لها موعد تسليم ! وبالتالي حافز الخوف لن يظهر وستظل تسوف فيها باستمرار ولن تبدأ فيها أبداً! 

وفي الواقع هذه الأمور عادة ما تكون هي الأهم على المدى البعيد وهي التي تحدد مدى نجاحك وشكل حياتك في المستقبل! 

وهذا يبين لك الخطورة الحقيقية لمشكلة التسويف، ومدى ضرورة العمل على حلها مهما تطلبت من وقت ومجهود. 

حل مشكلة التأجيل والمماطلة 

ليس هناك حل سحري يحولك في وقت قصير من شخص مسوف في معظم أعماله لشخص لا يسوف أبداً. بالعكس أي حل سيتطلب مجهود ومحاولات متكررة لكي تتحسن تدريجياً حتى تصل لدرجة مرضية من القدرة على مواجهة التسويف وتفادي مخاطره. وسنعرض في هذه الفقرة أهم 3 خطوات لحل مشكلة التسويف حتى لا نشتت القارئ

أولاً الوعي بطبيعة المشكلة وأبعادها

بمعنى أن تكون مدركاً لمخاطر التسويف التي ذكرناها سابقاً. وسنجملها فيما يلي:

1 – التسويف سببه الرغبة في وجود عائد فوري يحقق الإشباع، والرغبة في تجنب الألم. لكن هذا الألم يكون عالي في البداية وبمجرد البدء في العمل يقل حتى يختفي. 

2 – التسويف ظلم كبير لنفسك، لأنه يجعل إنتاجك أقل بكثير من قدراتك ويحرمك من النجاح الذي يمكنك تحقيقه.

3 – التسويف لا يفسد العمل فقط، بل يفسد عليك أوقات الراحة والتسلية أيضاً. 

4 – خطورة التسويف الحقيقية في المهام التي لا يكون عليك فيها رقيب أو موعد تسليم أو خسارة قريبة الأجل. 

ثانياً ترتيب الأولويات (أبدأ بالأهم ولو كان صعباً)

هناك مقولة ساخرة تقول: “لو بدأت يومك بأكل ضفدع حي، فيمكنك إكمال اليوم وأنت مطمئن أنه لا شيء أسوأ من هذا سيحدث في باقي اليوم !” ومنها استلهم الكاتب براين ترايسي عنوان كتابه (التهم هذا الضفدع) الذي ينصحنا بترتيب الأولويات.

أنت تبدأ كل يوم ولديك مجموعة من المهام المطلوبة منك أو التي تود إنجازها خلال اليوم. أكثر مهمة لا ترغب في العمل عليها أو تشعر أنها ثقيلة على نفسك، هي الضفدع!

ينصحك براين أن تبدأ بها! لا تؤجل وتبدأ بالمهام الأسهل على نفسك. ففي معظم الأحيان المهام الثقيلة على النفس تكون هي الأمور المهمة، لكن لأنها ثقيلة على النفس لا نحب البدء بها. ونشغل أنفسنا بأمور أخرى أقل أهمية. 

لكن ما مشكلة أن تبدأ بالمهام السهلة المحببة لنفسك؟ 

أي مهمة تقوم بها تستهلك جزء من طاقتك، وبالتالي لو استهلكت جزء كبير من طاقتك قبل الوصول للضفدعة، لن تقدر على أكلها! لن تقدر على إنجاز المهمات الثقيلة وطاقتك قليلة فما يحدث غالبا هو أنك ستؤجلها وستسوف في عملها. في حين أنك لو بدأت بها وانتهيت منها قبل أي مهام أخرى ستشعر براحة نفسية وبنشوة الإنجاز والتي غالبا ستحفزك على إنجاز باقي الأمور السهلة المطلوبة. وحتى لو لم تستطع إنهاء باقي المهام الأقل أهمية فإن تأثير ما أنهيته سيكون أكبر من تأثير ما لم تنه. 

ثالثاً ركز على الوقت لا الكم (Pomodoro Technique)

التحدي الأكبر دائماً هو الخطوة الأولى أن تبدأ في العمل. لذا سنشرح لكم تقنية البومودورو لإدارة الوقت، وهي تكنيك بسيط جداً يساعدك على مواجهة مسببات التسويف. 

الطريقة ببساطة أنك ستقسم المهمة الكبيرة لمهمات صغيرة، وتبدأ بمهمة واحدة فقط، تضبط مؤقت جوالك لمدة 25 دقيقة، وتعمل على هذه المهمة حتى انتهاء الوقت. 

الفكرة هنا أنك تخبر نفسك بوضوح أن كل المطلوب منك هو العمل لمدة 25 دقيقة فقط، ثم تأخذ راحة لمدة 5 أو 7 دقائق.

فائدة هذه الطريقة:

  • كسر الحاجز النفسي لبدء العمل. لأن مقدار الألم من العمل لمدة 25 دقيقة فقط أقل بكثير جداً من مقدار الألم المطلوب لإنجاز العمل كله، وهو ما سيجعلك أقدر على مواجهته. 
  • أيضًا كلما رن المنبه بعد كل 25 دقيقة، ستشعر بشعور إيجابي وهذا بصورة ما يساعد في عملية الإشباع الفوري التي تكلمنا عنها. 
  • بعدما تستخدم هذا التكنيك عدد من المرات وتبدأ في إحراز تقدم في المهمة المطلوبة منك، ستجد أن رغبتك في التسويف قلت كثيراً وستكمل المشروع لنهايته، فدائما الصعوبة تكمن في البداية. 

تلخيصاً لما سبق، فإن التسويف عادة سيئة تؤثر سلباً على جودة عملك وتحرمك من الإنجاز والنجاح في حياتك لذا عليك أن تتخلص منها. والحل ببساطة يكمن في وعيك وإدراكك لمخاطره و إلزام نفسك البَدْء الآن حتى تتجنب العواقب الوخيمة.

مشاركة:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى